تريستان، طفل مُفعم بالحيوية والنشاط يبلغ من العمر 4 سنوات، يجري حول ردهة مركز إدموند جيه سافرا الدولي لأمراض القلب الخلقية، يتسلق الطفل بمنطقة الألعاب، ويتفاعل مع الأطفال الآخرين الذين ينتظرون موعدهم، وكل بضع دقائق يركض ليعانق والده مارك ويبتسم ويقفز.
يروي مارك: “في المرة الأولى التي جئنا فيها إلى مركز شيبا الطبي، كان عمر تريستان 13 يومًا فقط. تم الكشف عن مرض القلب الخلقي قبل يومين من ولادته. وأظهرت جميع الفحوصات السابقة عدم وجود مشكلة. ونظراً لخطورة الأمر كان علينا أن نتحرك بسرعة”.
كان تريستان يعاني من متلازمة القلب الأيسر ناقص التنسج، حيث يكون الجانب الأيسر من القلب -الجزء الذي يضخ الدم المؤكسج إلى بقية الجسم- متخلفًا. وتسمى غرفتاه الأذين الأيسر والبطين الأيسر، وقد تكون صماماتهما صغيرة الحجم، مما يمنع تدفق الدم المؤكسج من الرئتين.
قد يبدو الأطفال الذين يعانون من متلازمة القلب الأيسر ناقص التنسج بصحة جيدة عند الولادة بسبب أن القناة الشريانية، وهي وعاء دموي رئيسي في الأجنة، لا تزال مفتوحة. بمجرد إغلاق القناة الشريانية بعد أيام قليلة من الولادة، يتدفق الدم إلى الرئتين ثم إلى الجانب الأيسر من القلب، حيث يتم حظره ولا يمكنه الدوران عبر بقية الجسم.
بدون علاج، يمكن أن يموت الأطفال المصابون بمتلازمة القلب الأيسر الناقص التنسج خلال الأيام أو الأسابيع الأولى من الحياة. يتكون العلاج من عملية زرع قلب أو سلسلة من العمليات لاستعادة وظيفة الجانب الأيسر من القلب.
ويواصل مارك قائلاً: “كنا محظوظين لأن وطننا سلوفينيا أبرم اتفاقية مع الدكتور ديفيد مشالي، وهو متخصص معروف عالميًا في طب الأطفال وجراحة القلب الخلقية والصدر. في البداية كنت قلقة بشأن المجيء إلى إسرائيل، وهي دولة لا أعرفها، ولكن بما أنها المكان الذي يمكنني فيه الحصول على أفضل علاج طبي لحالة ابني، لم يكن لدي أدنى شك في أنه يتعين علينا الذهاب إلى هناك. يمكننا الذهاب إلى ألمانيا أو إيطاليا، لكن كل طبيب استشرته أخبرني أنه يجب علينا اختيار الدكتور مشالي – فهو الأفضل في هذا المجال”.
استغرقت الزيارة الأولى إلى شيبا ما يقرب من شهر، وكانت مرهقة للغاية كما يتذكر مارك: “لا أتذكر أين أكلت. لا أتذكر أين كنت أنام، لا شيء. كل أفكاري وطاقتي كانت مركزة على تريستان وعلاجه. ومع ذلك، أتذكر جيدًا التعاطف والاهتمام الذي تلقيناه من جميع الطاقم الطبي الذي رافقنا خلال هذه الفترة”.
“كانوا متعاونين للغاية وساعدونا في كل سؤال. كانت ريما، المنسقة الطبية المعينة لدينا، في خدمتنا طوال الوقت، حيث كانت تشرح لنا وتساعد في اتخاذ الترتيبات. أتذكر، عندما وصلنا في منتصف الليل على متن سيارة الإسعاف الجوي، سألتني الممرضة التي جاءت للترحيب بنا في قسم الطوارئ إذا كنت بحاجة إلى أي مساعدة. طلبت منها أن تحضر لي القهوة”.
ذهبت إلى المطبخ وأحضرت لي فنجانًا من القهوة، وعندها فقط قالت: “كما تعلم، أنا الممرضة”، شعرت بالحرج قليلاً، ولكن هذا مجرد مثال صغير على مدى تعاون الموظفين.
“وقبل بضعة أيام رأيت ممرضة كانت تعالج تريستان قبل عام، وجاءت لإلقاء التحية، لقد تذكرته وكانت متحمسة لرؤيته مرة أخرى”.
الجراحة التي خضع لها تريستان في المرة الأولى، عملية نوروود، معقدة للغاية ولكنها سارت بشكل جيد للغاية. يتطلب علاج متلازمة القلب الأيسر ناقص التنسج إما إجراء جراحي من ثلاث خطوات يسمى التخفيف المرحلي أو زراعة القلب. يعتبر التخفيف التدريجي أحد الإنجازات الرئيسية لجراحة القلب الخلقية في السنوات الأخيرة.
وتم تصميم هذا الإجراء الجراحي المكون من ثلاث خطوات لخلق تدفق دم طبيعي داخل وخارج القلب، مما يسمح للجسم بتلقي الدم المؤكسد الذي يحتاجه.
يقول مارك: “الآن، عندما نأتي إلى شيبا، نشعر بأننا في بيتنا. لا يتذكر تريستان الإجراءات، لكنه يتذكر لعبة القطار في بهو مركز إدموند جيه سافرا الدولي لأمراض القلب الخلقية. خلال الصيف كان يجمع الأصداف من الشاطئ ويقول إنه سيحضرها إلى الدكتور مشالي”.
ويستطرد: “بالنسبة لي، هذا لا يقدر بثمن. منذ ثلاث سنوات ونحن نعود إلى شيبا لمواصلة علاجه – الجراحة والقسطرة. هذه هي زيارتنا الرابعة، ونأمل أن تكون المرة الأخيرة التي نزور فيها إسرائيل لتلقي العلاج الطبي. ومع ذلك، نحن متحمسون للزيارة في المناسبات السعيدة، والسفر ورؤية البلاد خارج شيبا”.
جراحة تريستان والإجراءات الأخرى نفسها. يقول مارك: “أنا محظوظ لأن لدي القدرة على تقديم أفضل علاج طبي لتريستان.. ولكن لا ينبغي أن يُجبر أي والد على قبول مبلغ أقل من أجل طفله”.
في النهاية يقول مارك: “عندما ولد تريستان، أخبرني الأطباء أنه سيعيش بضع دقائق فقط، والآن، بعد مرور 4 سنوات، أصبح صبياً نشيطاً، يذهب إلى روضة الأطفال، ويركب دراجة، ويعيش حياة طفل بصحه جيدة. إنه أمر لا يصدق بالنسبة لنا”.
واختتم: “وعلينا أن نشكر الدكتور مشالي وفريق شيبا بأكمله على ذلك. لا أستطيع حتى أن أصف بالكلمات مدى امتناني. أعلم أننا إذا كنا بحاجة إلى علاج طبي مرة أخرى، فسنأتي دائمًا إلى شيبا. هذه هي عائلتي الآن، وأعتقد بصراحة أن هذا أفضل ما يمكنك الحصول عليه”.
